مقالات الرأي

الأحرار يتملص من وزرائه

د. نوفل الناصري
نائب برلماني وعضو لجنة المالية والتنمية الاقتصادية في خضم النقاش حول ردود فعل التجار والمهنيين على مقتضيات ضريبية صدر يوم السبت 12 يناير بلاغ عن المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار يثير كثيرا من الاستغراب والتساؤلات. وفي رأيي، فإن ذلك البلاغ يتناقض مع ما صرح به السيد وزير الاقتصاد والمالية في مجلس النواب، وهو الوزير المنتمي لنفس الحزب ونفس المكتب السياسي، بل إن القراءة والتفسير الذي تحدث عنه ذات البلاغ يعكس للأسف فهما خاطئا لمضمون المقتضيات الجديدة التي جاء بها قانون المالية لسنة 2018، خصوصا وأن وزراء هذا الحزب هم الذين دبَّروا قطاع الاقتصاد والمالية لأزيد من عشر سنوات، وهم المسؤولون المباشرون عن هذه المقتضيات الجبائية التي جاؤوا بها وترافعوا عنها في سنة 2014 أما البرلمان بغرفتيه، ونفس الامر تم في سنة 2018. وأعتقد أن هذا التعارض وهذا الارتباك في المبنى والمعنى له ثلاثة تفسيرات:

(1) هذا البلاغ هو رسالة غير موجهة بالأساس للتجار والمهنيين، بقدر ما هو تذكير موجه لأعضاء حزبه داخليا، وإشارة لشركائه وحلفائه استراتيجيا، يؤكد من خلاله جاهزية حزبهم وقدرته على مواصلة مواجهة حزب العدالة والتنمية، بعدما انتشرت أخبار في الكواليس وفي الصالونات السياسية تؤكد تواجد رغبة جديدة لإحياء الحزب المعلوم على حساب الأحرار، وهو ما يُنذر ببداية فك الارتباط بهم وربما نهاية مهمة مسار الثقة…!!

(2) هي محاولة لإحداث وخلق قطبية وهمية بينه وبين حزب العدالة والتنمية، وبالتالي الرجوع للساحة الوطنية، خصوصا وأن بعض قيادات ورموز الاحرار توارت عن المشهد السياسي وأصبح بعضها متجاوزا بسبب المبادرة الشعبية “المقاطعة” التي استُهدفت فيها – سواء بشكل مباشر وغير مباشر- إحدى شركات أمينه العام، الامر الذي أربك مسار وأجندة قادة وقاعدة هذا الحزب..

(3) هي محاولة لاستباق ردود فعل الشارع والمهنيين والتجار الذين تضررت مصالحهم بسبب قرارات وإجراءات اتخذها وزراء حزب التجمع الوطني للأحرار ويتحملون مسؤولية ما تعرض وسيتعرض له هؤلاء المهنيون سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.. الامر الذي سيتسبب في فقدانهم ـ وفق ذلك المنظور ـ لأكبر داعم انتخابي.. لهذا اختار الاحرار التملص من وزراءه بهذا البلاغ

وعطفا على ما سبق، يمكن تفهم هذا الارتباك وهذا الوضع الصعب الذي يعيشه التجمع الوطني للأحرار الان، وللأسف فإن هذا الهروب إلى الامام، هو الذي يُقفد المؤسسات المنتخبة هيبتها ومكانتها وثقة المواطنين فيها، فكيف لحزب يحاول إقناع المغاربة بقدرته على ترأسهم في سنة 2021 وقيادته لا تستطيع تحمل مسؤولية قرارات وزرائها، بل تتنكر في رمشة عين للإجراءات التي اتخذها هؤلاء ودافعوا عنها، وتوجه اللوم لأحد الاحزاب المشاركة معه في الحكومة والذي لا يُدبر أساسا قطاع الاقتصاد والمالية ولا قطاع التجارة ..؟؟ إنه العبث السياسي. وأحسن مقولة تنطبق على هذه النازلة هي المثل المغربي القائل” كايكل مع الذيب أو كايبكي مع السارح”.. والمغاربة يصفون مثل هذه الحالات ب “لعب الدراري الصغار”.

ينبغي على من له غيرة على هذا الوطن الحبيب أن يستحضر السياق الاقتصادي الدولي والاقليمي الذي تعيش فيه بلادنا، وأن يتجنب إذكاء التوتر بين أبناء الشعب الواحد وعدم اللعب على أوتار العصبية والحزبية، وأن يتحمل كافة مسؤولياته في تدبير الشأن العام بدل اتهام الاخرين، وأن يتفادى كل احتقان قد يهدد السلم الاجتماعي، فهذه في اعتقادي أولى أولويات الاحزاب السياسية في الوقت الراهن.

بخصوص موضوع الفوترة الالكترونية، فينبغي التذكير أن هذه المقتضيات الجبائية كانت قد وردت في قانون المالية لسنة 2018، غير أنها لم تصبح سارية المفعول وإلزامية إلا ابتداء من 2019. ويتعلق الأمر أساسا بالمادة 145 من المدونة العامة للضرائب، ضمن الفقرة الثالثة والتي تنص على “أنه يجب على الخاضعين للضريبة أن يسلموا للمشترين منهم أو لزبنائهم فاتورات أو بيانات حسابية مرقمة مسبقا ومسحوبة من سلسلة متصلة أو مطبوعة بنظام معلوماتي وفق سلسلة متصلة”

وهنا وقع الخلط وانتشرت التفسيرات الخاطئة والمغلوطة، وللأسف فإن الذي عقد الامور أكثر وأربك التجار، هو شروع المصالح الضريبية والجمركية منذ دخول مدونة الضرائب الجديدة حيز التنفيذ، في حجز السلع والبضائع في بعض المحلات التجارية وعبر الطرقات، مطالبينهم بالفواتير باعتبارها وثيقة إلزامية في التصريح الضريبي، الامر الذي تسبب في وقفات احتجاجية للتجار سواء بالدار البيضاء أو في مدن أخرى.

وفي هذا السياق، تدخل رئيس الحكومة، الدكتور سعد الدين العثماني ، وطمأن التجار والمهنيين وأصحاب المهن الحرة، في جلسة المسائلة الشهرية بمجلس النواب معلنا إيقاف هذه الإجراءات الأخيرة التي أثارت ردود فعل في عدد من المدن، وداعيا القطاعات الحكومية المعنية إلى ضرورة التواصل المباشر مع كافة الأطراف الممثلة لهذه الفئة، من أجل الوقوف على حقيقة الصعوبات وتبديد سوء الفهم الذي وقع؛ وفي هذا الاطار تم عقد يوم الاثنين 14 يناير 2019 اجتماع بين الإدارة العامة للضرائب وإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة مع ممثلي التجار لمناقشة جميع المواضيع ومعالجة كل الإشكالات في هذا الباب، وسيعقد اجتماع هذا الأربعاء 16 يناير 2019 بمقر وزارة الصناعة والتجارة والاستثمار الرقمي. كما تم تحت الإشراف الفعلي لوزير الاقتصاد والمالية، يوم الثلاثاء 15 دجنبر الجاري، توقيع اتفاق بين المهنيين وكل من المدير العام للضرائب والمدير العام للجمارك، يضع حدا لسوء الفهم الذي ساد بخصوص إلزام التجار الصغار والمهنيين بالفواتير وبالتعريف الضريبي الموحد وبالتصريح الالكتروني..

وهنا لا بد من التأكيد مرة أخرى على أن المعنيين بالفوترة هم المهنيون الذين يشتغلون بالنظام المحاسباتي، أما التجار والحرفيون وأصحاب المحلات الصغيرة، فهم غير ملزمين جبائيا بتسليم الفواتير، لكونهم معفون بالأساس من مسك المحاسبة ولديهم محاسبة جزافية. وكما أكد عليه وزير الاقتصاد والمالية، يوم الاثنين 14 يناير 2019 في مجلس النواب، فيمكن لهؤلاء التجار تحديد نوعية الوثيقة في حالة الشراء، سواء كانت فاتورة أو بونات تضمن اسم البائع والمشتري ونوع البضاعة.

ونفس الامر بالنسبة “للفاتورة الإلكترونية” فهي تهم فقط الخاضعين للضريبة حسب نظام المحاسبة، ولا يحق لأي كان أن يطالب بهذه الفوترة أو يفرضها في معاملاته التجارية مع زبنائه لأن القانون لا يسمح بذلك في غياب النص التنظيمي الذي يحدد كيفيات تطبيق الأحكام الخاص بها. 

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق